الأحد، 13 يوليو 2025

لابوبو... Labubu.. حين تتحول دمية إلى ظاهرة كوكبية ومحرّك عصبي للشراء

صغيرة الحجم، حادة الأسنان، مزيج غريب من البراءة والرعب، وملامح طفولية تثير الفضول؛ إنها "لابوبو"، الدمية التي اجتاحت الأسواق العالمية لتحقق ما يشبه الهوس الجماعي، ليس فقط في آسيا بل في أمريكا الشمالية وأوروبا أيضاً، ممهّدة بذلك الطريق أمام نمط استهلاك جديد لا يكتفي بالاقتناء، بل يُفعّل العاطفة، ويخاطب الهوية، ويشبع الحاجة النفسية للتميّز والارتباط.

لابوبو... حين تتحول دمية إلى ظاهرة كوكبية ومحرّك عصبي للشراء

لابوبو... Labubu.. حين تتحول دمية إلى ظاهرة كوكبية ومحرّك عصبي للشراء

انطلقت "لابوبو" من الشركة الصينية العملاقة Pop Mart، وتم تصميمها سنة 2015 على يد فنان استوحى الشخصية من أساطير الشمال الإسكندنافي، لتولد مخلوقات غريبة، أشبه بوحوش صغيرة لطيفة، تتراقص بين الطرافة والتشويش البصري، وتطرح أسئلة غير منطوقة عن سبب جاذبيتها الفريدة. غير أن الإجابة على هذا السؤال لا تكتمل إلا من خلال نظرة متعمقة في علم التسويق العصبي والسلوك الاستهلاكي.

تجربة تبدأ من الدماغ

الطلب المتزايد على دمى لابوبو لا يمكن تفسيره فقط بالجماليات الشكلية أو جودة المنتج. ففي الواقع، يثير هذا المنتج استجابة عصبية قوية قائمة على نظام المكافأة داخل الدماغ، وتحديداً إفراز الدوبامين، المرتبط بالإثارة والمفاجأة. ولعل أبرز عنصر يغذي هذه الإثارة هو طريقة عرض المنتج: الصندوق الغامض.

الصندوق المغلق الذي لا يُفصح عن محتواه إلا بعد الشراء يحاكي آلية "اللعب التفاعلي" أو "المقامرة المحسوبة"، حيث يسعى المستهلك وراء متعة المفاجأة. هذا النمط ليس جديداً، فقد تم توظيفه بنجاح في ألعاب الفيديو، ومؤخراً في صناديق الهدايا الشهرية. لكن "لابوبو" تمكّنت من جعله جزءاً من التجربة النفسية للشراء، لتمنح المستهلك إحساساً باللعب، لا الاستهلاك فقط.

الندرة تقود العقل

تُطرح لابوبو بنُسخ محدودة، وأحياناً حصرية، ما يجعل المستهلكين يشعرون أن امتلاكها فرصة لا تتكرر. هذا الشعور بالندرة يُحفّز ما يُعرف في التسويق العصبي بـ"تهديد الفقد" (Loss Aversion)، ويؤدي إلى قرارات شراء عاجلة وغير عقلانية.

لا عجب أن الأسعار في السوق الثانوية وصلت إلى أرقام خيالية؛ بعض النماذج بيعت بمبالغ تتراوح بين 2000 و7000 دولار على مواقع المزادات الرقمية. إذ لم يعد المستهلك يشتري مجرد دمية، بل رمزاً نادراً يمثل تجربة وسردية وهوية.

المشاهير كقاطرة جماهيرية

الانتشار السريع لم يكن ليتحقق بهذه القوة لولا دعم النجوم والمشاهير. ظهور لابوبو في يد نجمات عالميات مثل ليزا من فرقة بلاكبينك وشير، ساهم في خلق موجة تقليد اجتماعي لاواعي. ما إن يرى الجمهور هذه الشخصيات المؤثرة تقتني المنتج، حتى تتفعّل داخل الدماغ ما يُعرف بـ"الخلايا العصبية المرآتية"، وهي المسؤولة عن رغبة التقليد ومحاكاة التجربة.

تيك توك وإنستغرام: محرّكات بيع لاواعية

لعبت وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً تيك توك وإنستغرام، دوراً محورياً في تعزيز الحضور الرمزي للابوبو. فالفيديوهات القصيرة التي توثق لحظة فتح الصندوق، أو عرض المجموعات الشخصية، لا تؤدي وظيفة تسويقية تقليدية، بل تنقل تجربة حسية حقيقية تدفع المتابعين إلى اتخاذ قرارات شراء فورية.

من منتج إلى هوية

الملفت في ظاهرة لابوبو هو تجاوزها الفئات العمرية التقليدية. فاقتناء هذه الدمى لم يعد مقتصراً على الأطفال أو المراهقين، بل امتد إلى بالغين في الخمسين والستين، ممن يجدون فيها امتداداً لهوية شخصية أو سبيلاً للحنين والنوستالجيا أو حتى تعبيراً عن تميّز جمالي خاص.

هذا ما يُعرف في التسويق بـ"الاستهلاك الرمزي"، حيث لا يُشترى المنتج لما هو عليه، بل لما يمثله: أسلوب حياة، انتماء، شعور بالتمايز عن الجماعة. وهنا، تصبح لابوبو علامة لغوية بصرية تقول: أنا أنتمي إلى هذا الاتجاه. أنا في قلب الموجة.

التخصيص: إعادة امتلاك المعنى

لم تكتف لابوبو بشكلها الأصلي، بل فتحت المجال أمام التخصيص الفردي. فالمستهلكون باتوا يضيفون إليها أكسسوارات، ملابس، وأحياناً وشوماً صغيرة مصممة بعناية، مما يمنح كل نسخة طابعاً فريداً وشخصياً. هذا التخصيص يوفّر للمستهلك إحساساً بالسيطرة على المنتج، وهو عنصر بالغ الأهمية في بناء الارتباط العاطفي معه.

خاتمة: هل نحن أمام موجة عابرة أم نموذج اقتصادي جديد؟

من منظور تسويق عصبي وسلوكي، تُجسد ظاهرة لابوبو نموذجاً متقدماً للمنتجات التي تجمع بين التجربة، العاطفة، والمشاركة الاجتماعية. إنها ليست مجرد موجة موقتة، بل نموذج اقتصادي مبني على التفاعل العاطفي، الحصرية، والإثارة النفسية.

ومع استمرار توسع Pop Mart وتنوع منتجاتها، يبدو أن هذا الأسلوب القائم على الدمج بين "المنتج – التجربة – الهوية" سيكون له أثر طويل المدى على طريقة تصميم وتسويق السلع الاستهلاكية مستقبلاً، خصوصاً تلك التي تستهدف الجيل الرقمي العاطفي، الذي لا يشتري فقط بعينيه، بل بذاكرته العاطفية العصبية أيضاً.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إضافة تعليق :

لن يتم إظهار أو نشر أو مشاركة إيميلكم..