24 يوليو 2025

احذف كل ما تعلمته عن السيو… وابدأ من هنا

لم يعد السلوك الاستهلاكي يعتمد على البحث التقليدي بقدر ما أصبح موجّهًا نحو اتخاذ القرار الفوري. لم تعد محركات البحث هي المهيمنة الوحيدة، ولم يعد البحث عن المعلومات يتم بالطريقة المعتادة. بل بات القرار يُتخذ في أماكن غير متوقعة، وبأنماط سلوكية جديدة تمامًا.

لا تقع في فخ غوغل: العملاء لم يعودوا يبحثون... بل يقرّرون

تعليق على منصة اجتماعية، إجابة من نموذج ذكاء اصطناعي، مراجعة من مستخدم حقيقي، أو فيديو قصير لا تتجاوز مدته بضع ثوانٍ — كلها أصبحت لحظات حاسمة في اتخاذ القرار. وهذه اللحظات لا تنتظر أن تتهيأ لها، بل إما أن تكون حاضراً فيها... أو تُستبعَد من المشهد.

محرك البحث لم يعد المركز الوحيد... بل أصبح جزءاً من منظومة أوسع

وفقاً لأحدث البيانات، تُجري Google حوالي 13.7 مليار عملية بحث يوميًا. وعلى الرغم من ضخامته، إلا أنه لا يمثل سوى 27٪ من إجمالي أنشطة البحث التي تتم عبر الإنترنت. أما النسبة الأكبر — 73٪ — فتحدث خارج غوغل، موزعة على منصات مثل TikTok، YouTube، Reddit، Instagram، Amazon، وحتى أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT وClaude.

بينما تواصل الشركات تحسين المحتوى لمحرك بحث واحد، تُتخذ قرارات الشراء الحاسمة على هذه المنصات الأخرى، حيث يتحقق المستخدم من التقييمات، ويسأل الذكاء الاصطناعي، ويقارن الخيارات — كل ذلك دون زيارة الموقع الرسمي.

رحلة العميل لم تعد خطّية... بل شبكة لحظات نفسية دقيقة

النموذج القديم الذي يفترض أن العميل يسير في مسار تقليدي من التوعية إلى الشراء، لم يعد يُجدي. اليوم، تُتخذ القرارات من خلال شبكة متداخلة من اللحظات النفسية والسلوكية، موزعة عبر منصات متنوعة:

  • ما الذي يلفت الانتباه؟ المحتوى البصري على TikTok وInstagram
  • ما الذي يرسّخ الثقة؟ تقييمات أمازون وآراء Reddit
  • ما الذي يُعتمد عليه؟ توصيات ChatGPT وClaude
  • ما الذي يُصدّق؟ مقاطع YouTube والبودكاست
  • ما الذي يُحتذى به؟ المحتوى الملهم على LinkedIn وInstagram

هذه اللحظات لا تحدث بشكل متسلسل، بل تتداخل خلال دقائق معدودة — وتُتخذ فيها قرارات شراء كاملة دون المرور بأي موقع رسمي.

المحتوى وحده لا يكفي... بل يجب أن يتحول إلى أداة قرار موثوقة

لم يعد كافيًا أن تنشئ محتوى غنيًا بالكلمات المفتاحية. بل يجب أن يتحول هذا المحتوى إلى مرجع موثوق يُستشهد به في محادثات فعلية، في خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وفي مجتمعات المستخدمين.

المدوّنات والمقالات التي لا تُذكر خارج مواقعها فقدت كثيرًا من قوتها. يجب أن تصبح جزءًا من شبكة الثقة: يُربط بها، يُقتبس منها، ويُعتمد عليها فعليًا لحسم القرارات.

أصحاب المدوّنات: حان وقت إعادة النظر في دور المدوّنة

بالنسبة لأصحاب المدوّنات، لم يعد الهدف هو تصدر نتائج البحث فقط. بل أن تتحول المدوّنة إلى مصدر يُوصى به من قبل الذكاء الاصطناعي، ويُستشهد به في منتديات مثل Reddit، ويظهر في إجابات أدوات مثل ChatGPT.

المحتوى الناجح اليوم هو ما يكون مُنتَجًا للاستشهاد، لا للاستهلاك فقط. يجب أن يخدم الغرض العملي: أن يؤثر في القرار، ويقود المستخدم نحو الثقة، وليس فقط نحو النقر.

التواجد في كل مكان ليس الهدف... بل الحضور حيث تُبنى الثقة

لكل منصة منطقها النفسي الخاص في اتخاذ القرار. لا يمكن استخدام نفس المحتوى للجميع:

  • TikTok: يُحفز بالعاطفة والجِدّة
  • YouTube: يُبني على الخبرة والعمق
  • ChatGPT: يعتمد على مصادر موثوقة ومحتوى دقيق
  • Amazon: يُقنع من خلال مراجعات المستخدمين
  • Reddit: يتطلب الصدق والشفافية
  • Instagram: يعكس هوية وطموح المستهلك

يجب أن يُصمم كل محتوى وفق «شيفرة القرار» الخاصة بالمنصة، وإلا أصبح غير ذي جدوى مهما بلغ من جودة.

الظهور ≠ التوثيق

الظهور يعني أن تكون موجودًا. أما التوثيق، فهو أن يتم الحديث عنك دون طلبك. أن تُذكر علامتك في منشورات Reddit، أو أن يقترحك ChatGPT كمصدر، هذا هو التأثير الحقيقي.

الأدوات الذكية لا تستعرض نتائج البحث، بل تلخّص. ومن لا يُذكر، لا يُقتَبس… ومن لا يُقتَبس، لا يُوصى به.

كيف تبدأ؟ استخدم إطار RICE

لتحديد المنصات الأنسب، استخدم النموذج التالي:

  • Reach: عدد المستخدمين على المنصة
  • Impact: تأثيرها على قرار الشراء
  • Confidence: قدرتك على التميّز فيها
  • Ease: سهولة التنفيذ والإنتاج

ابدأ بمنصة أو اثنتين فقط، وركّز على بناء الثقة فيها. ثم انتقل تدريجيًا لمنصات أخرى بناءً على نتائج حقيقية.

التأثير التراكمي يبدأ بعد الثقة

عندما تُذكر علامتك على Reddit، تُفهرس في Google. عندما تُستشهد كمصدر في ChatGPT، تُرفع سلطتك في Amazon وYouTube. كل منصة تعزز الأخرى... شريطة أن تكون جزءًا من نسيج القرار في مجالك.

الخلاصة

ما كان يعمل بالأمس لم يعد كافيًا اليوم. إن التركيز الحصري على محركات البحث أصبح فخًا يخدع الشركات بمؤشرات زائفة. أما من يفهم آلية اتخاذ القرار الحديثة، ويُعيد تموضعه حيث تُبنى الثقة — فهو من سيتفوّق.

ابدأ اليوم. حلّل منصات التأثير في مجالك، وتواجد حيث يصغي الناس، لا حيث تبحث الخوارزميات. هناك فقط تُصنع القرارات... وهناك فقط تُبنى العلامات الرائدة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إضافة تعليق :

لن يتم إظهار أو نشر أو مشاركة إيميلكم..